ندير أحد أكبر برامج المساعدة حول العالم في جنوب السودان، استجابةً للاحتياجات الصحية المتعدّدة الناجمة عن النزاع المستمر والنزوح والفيضانات المتكرّرة وتفشّي الأمراض. وتتفاقم هذه المشاكل بسبب انخفاض كبير في التمويل الدولي للبرامج الإنسانية والتنموية وضعف النظام الصحي الوطني.

خلال عام 2024، ظلّ العمل في جنوب السودان خطيرًا للغاية بالنسبة للمنظمات الإنسانية، إذ قُتل موظفو أطباء بلا حدود داخل مجتمعاتهم نتيجة النزاعات بين القبائل، واضطررنا إلى تعليق الأنشطة في بعض المواقع بعد الهجمات.

تفشّي الأمراض 
استجابت فرق منظمة أطباء بلا حدود للعديد من تفشيات الأمراض، منها الحصبة والحمّى الصفراء في يامبيو؛ الحصبة في شمال بحر الغزال؛ التهاب الكبد الفيروسي E في أبيي وبنتيو وأولد فانغاك؛ والكوليرا في ولايات الوحدة والنيل الأعلى وجونغلي وإكواتوريا الوسطى وشمال بحر الغزال.

هذا وقد أُعلن عن تفشّي الكوليرا في 28 أكتوبر/تشرين الأول في مدينة الرنك الحدودية، التي تستضيف اللاجئين والعائدين من السودان. وبحلول نهاية العام، استمرّ التفشّي وطال سبع ولايات. وشملت استجابتنا إنشاء مراكز ووحدات لعلاج الكوليرا وتنفيذ أنشطة متعلّقة بالمياه والصرف الصحي والكشف النشط عن الحالات والمراقبة ودعم حملات التطعيم الفموي ضد الكوليرا.

وفي مقاطعة فانغاك بولاية جونغلي، نجحت منظمة أطباء بلا حدود في إتمام حملة تطعيم ضد التهاب الكبد E لمدة تسعة أشهر، وهي الأولى من نوعها التي تُجرى خلال المراحل الحادة من تفشي المرض النشط وفي منطقة يصعب الوصول إليها.

الملاريا وسوء التغذية 
شهد عام 2024 ارتفاعات متكرّرة في حالات الملاريا في أنحاء البلاد، لا سيّما خلال موسم الأمطار. أدّت الفيضانات إلى زيادة معدّلات الإصابة، إذ شجّعت المناطق التي تتجمّع فيها المياه الراكدة على تكاثر البعوض، وأدت إلى ارتفاع أعداد الحالات الخطيرة نتيجة تعذّر الوصول إلى مراكز العلاج. ففي مستشفى ولاية أويل، رصدنا ارتفاعًا كبيرًا في حالات قبول الأطفال المصابين بالملاريا الشديدة في المستشفى بسبب عدم تمكّنهم من الحصول على علاج مبكر في المرافق الصحية الأساسية. أمّا خلال الذروة في سبتمبر/أيلول، فقد تضاعف عدد هذه الحالات مقارنة بعام 2023. 
لذلك، افتتحنا مواقع إضافية لفحص وعلاج الحالات البسيطة، ورفعنا القدرة الاستيعابية لقسم الملاريا من 72 إلى 94 سريرًا، ولكن رغم ذلك، ظل المستشفى يعاني من ضغطٍ كبير، ما أجبر فرقنا على معالجة المرضى في الممرّات. 
في وقتٍ سابق من العام، خلال فترة الفجوة الغذائية السنوية، لاحظنا أيضًا ارتفاعًا غير معتاد في حالات قبول الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد في المستشفى، ما استدعى زيادة القدرة الاستيعابية لمركز التغذية العلاجية المركزة من 22 إلى 44 سريرًا.

اعتبارًا من يوليو/تموز، بدأت فرق أطباء بلا حدود بتنفيذ تدابير وقائية للحدّ من الملاريا، من خلال دعم وزارة الصحة في طرح لقاح الملاريا "R21" في المقاطعات الأكثر تضرّرًا من المرض، بما فيها تويك وأويل. علاوةً على ذلك، قدّمنا العلاج الكيميائي الوقائي الموسمي ضد الملاريا قبل بداية موسم الذروة، لحماية الفئات الأكثر عرضةً لهذا المرض الفتّاك.

الفيضانات 
شهد جنوب السودان في عام 2024 فيضانات شديدة وواسعة النطاق مرّة أخرى، لا سيّما خلال موسم الأمطار، مما خلّف آثارًا مدمّرة على المجتمعات في جميع أنحاء البلاد. وفي بلدة أولد فانغاك، أطلقنا أنشطة للحدّ من خطر غمر المياه للبلدة. وبالإضافة إلى تركيب مقاييس المياه وتدريب المجتمع المحلي على مراقبة ارتفاع منسوب المياه، عملنا مع منظمات أخرى على تدعيم السدود الطينية.

كما زادت الفيضانات بشكل كبير من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد، ممّا شكّل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة.

وفي نيو فانغاك، أنشأنا مستشفى ميداني بسعة 20 سريرًا كإجراء احترازي في حال  غمرت المياه مستشفى أولد فانغاك. وعلى الرغم من أنه لم يُخصّص لهذا الغرض في الأصل، إلا أن وجوده أثبت أهميّته البالغة خلال الاستجابة لتفشي الكوليرا.

تأثير الحرب في السودان
بدأت منظمة أطباء بلا حدود أنشطتها استجابةً لتدفّق أعداد هائلة من الأشخاص الفارّين من النزاع في السودان في مايو/أيار 2023، واستمرّت في تقديم الخدمات الطبية والإنسانية للاجئين والعائدين والمجتمعات المضيفة في عدّة مناطق، منها الرنك وبولوكات في ولاية أعالي النيل ومنطقة أبيي الإدارية الخاصة والعاصمة جوبا.

وبحسب الأمم المتحدة، فقد عبر نحو مليون شخص إلى جنوب السودان منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية عام 2024. ففي شهر ديسمبر/كانون الأول وحده، دفع تصاعد العنف في بعض مناطق السودان بأكثر من 120,000 شخص إلى الفرار عبر الحدود، معظمهم إلى مقاطعة الرنك. وقد استجابت فرقنا في المستوطنات العشوائية، مثل غيربانات وغوزفامي وأتام، من خلال إرسال عيادات متنقّلة لتقديم الرعاية الصحية الأساسية وتأمين المياه بواسطة الشاحنات وإنشاء بنى تحتية للمياه والصرف الصحي. كما واصلنا إدارة مركز الاستقرار في نقطة العبور بجودا.

وفي مستشفى الرنك المدني، بدأت فرقنا بتقديم رعاية ما قبل العمليات الجراحية وما بعدها للإصابات المرتبطة بالحرب، وذلك بالشراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وبعد تدفّق اللاجئين في ديسمبر/كانون الأول، اضطررنا إلى نصب 17 خيمة إضافية لاستيعاب الزيادة في أعداد المرضى.

الانتقال إلى مستشفى ولاية بنتيو 
في أغسطس/آب، بدأنا النقل التدريجي لخدمات الرعاية الصحية من مستشفى مخيم بنتيو إلى مستشفى ولاية بنتيو، ونتوقّع إتمام هذه العملية بحلول نهاية عام 2025. في أكتوبر/تشرين الأول، وبالتعاون مع وزارة الصحة، افتتحنا وحدة الأطفال التي جُدّدت بسعة 48 سريرًا بفضل فريقنا في مستشفى بنتيو، وبدأنا استقبال المرضى. من خلال هذا النقل، تهدف منظمة أطباء بلا حدود ووزارة الصحة إلى العمل معًا لضمان استدامة خدمات الرعاية الصحية وتعزيزها في ولاية يونتي.

استخدام الذكاء الاصطناعي في حالات لدغات الأفاعي 
واصلت منظمة أطباء بلا حدود التعاون مع جامعة جنيف ووزارة الصحة لتحسين التعرّف على أنواع الأفاعي باستخدام أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ويجري اختبار هذا النهج المبتكر في مقاطعتي تويك وأبيي، بهدف تعزيز معرفة أنواع الأفاعي المحلية ونشر الوعي بين الطواقم الطبية والمجتمعات المحلية وتحسين إدارة حالات لدغات الأفاعي.

أكاديمية أطباء بلا حدود للرعاية الصحية 
تسعى أكاديمية أطباء بلا حدود للرعاية الصحية إلى معالجة النقص الحاد في الكوادر الصحية المؤهلة، وهي مشكلة مزمنة يعاني منها جنوب السودان منذ سنوات. وفي عام 2024، واصلت الأكاديمية تقديم برامج تدريبية مصمّمة خصيصًا للتمريض والقبالة، بالإضافة إلى تقديم منح دراسية لكلية جوبا للتمريض والقبالة.